2017-03-08

يا موت..

أيها الموت، لا أعلم حقًا سبب خوفهم منك، وقتما ذُكرت في أي مجلس عبست الوجوه وضاقت النفوس. لم كل هذا الرعب؟ أنت لست مخيفًا إلى هذا الحد.

يا موت، من الممكن أنهم يهابون مصير أسلافهم، الذي هو حتمًا أنت. قد لا تروق لهم فكرة عدم استئذانك ودخولك المفاجئ.

أو قد لا يطمئنون لكونك نقطة الفراق، ولكن كيف وأنت في الوقت ذاته نقطة التلاقي؟! أنا حقًا لا أفهمهم.
قد يظنونك نهاية، لكنك نور يهدي نفقًا مظلمًا، مشكاة في غرفة عتماء، غيث من بين السحاب، أو نسمة لطيفة تطيح بالحَب لينبت ثانية.
لم يظنونك سوداويًا! بالعكس، فأنت أكثر حيوية من الحياة.

يا موت، أيامي لي ولن تمتلكها أبدًا. سيأتي يوم تأخذ فيه كل أيامي القادمة، حتى ذلك اليوم لن أعطيك أيًا من أيامي الحاضرة.

2017-01-20

سبونچ بوب يشرب الحشيش

عينان لامعتان، ويدان ناعمتان، ورئتان يجاوران قلبًا لم يقس بعد، وشفتان بينهما سيجارة.

لن أتكلم كثيرًا على مخاطر السجائر -أو أيًا كانت مسمياتها المستحدثة- لإن الكلام قد يبدو مستهلكًا ومترددًا كثيرًا. لكن هل ما نورثه من أبائنا هو المال فقط؟ أعتقد أن ضغط الأجيال على بعضهم البعض يولد كوارث، حيث أن كل جيل يحاول أن (يعلّي عالجيل اللي قبله)، محاولًا منافسته في (الصياعة) قدر المستطاع

ولكن ما رأيك؟ هل خمنت يومًا ما هو السن الذي يبدأ فيه شرب السجائر؟ ٢٠؟ ١٩؟ ١٨؟ يؤسفني أن جميع محاولاتك خاطئة، شرب السجائر في مصر يبدأ بسن ٩ سنوات، نعم لقد قرأته صحيحًا، هو الرقم (تسعة). علمًا بأن هذا الرقم سابقًا كان يتراوح بين ال ٣٠ وال ٤٠ عامًا. لا أعلم أي نوع من الضغوطات قد توصل طفل بالتاسعة إلى شرب السجائر. ماهي المعطيات التي أخذ يقلبها في عقله ليخرج بقرار "هشرب سجاير"؟ من الممكن أنه رأى فيها اختلافًا أو تميزًا، لكني أخشى أنها بدأت تفقد تميزها مع هذا الإقبال الشديد عليها. هل حاول الاقتداء بأحد؟ أبيه؟ عمه؟ أحد المشاهير؟ لا أعلم حقًا، لكن ما أعلمه جيدًا هو أن بضياع هذا الجيل فلن تكون لنا عودة، ولن نرى الغد الأفضل الذى لطالما وعدنا به وغنينا له.

أتذكر طفل التاسعة؟ ما شاء الله كبر الآن واتجه لشرب المخدرات، لم يتطلب الأمر منه الكثير من الوقت، بل فقط سنتين. يبدأ تعاطي المخدرات في مصر بسن ١١ سنة. أعجبني تطوره السريع لن أخفي عليك، لكن من هذا الذي تمكن من بيع "المخدرات" لطفل بالصف السادس الإبتدائي؟ 

سأكلمك صراحةً، لقد فقدت قدرتي على الإندهاش بأي شىء يحدث في مصر، وهذه بحد ذاتها مشكلة. كلما تكررت الأحداث الغير منطقية، وكلما سائت الأوضاع دون تحرك من أحد، كلما أصبنا بالبلادة، وجمود المشاعر، وهذا بدا واضحًا في السنوات الأخيرة.
كما قال اللمبي "الإدمان يدق الأبواب في أي وقت"، ولا شك من أن المخدرات هي كارثة حتى للبالغين، لكن هؤلاء أطفال يا أيها الأغبياء!

وأنت، كيف حالك يا رب الأسرة؟ قبل أن تبدأ حديثك عن ثقتك بأولادك وأنهم (متربيين أحسن تربية) رجاءً اطفئ سجارتك.


المصادر: جميع الإحصائيات حسب تقرير نُشر بموقع سكاي نيوز عربي.




2017-01-01

ودنك منين يا سانتا؟

بعد أن جهز عتاده لرحلة طويلة، تدوم لليلة واحدة، حمل على ظهره وزرًا من الأحلام. كان مبتسمًا، عليه من الألوان ما يطلق فيك الفرحة، ويشعل فيك الترقب. شق طرقًا كثيرة ليصل إلي، وياليته ما فعل. 

ينتظره كثيرون، لكني لم أتشوق للقائه قط. يرسلون له المراسيل والأمنيات، لكن يجف قلمي في كل محاولاتي. يطير النوم من أعينهم إنتظارًا له، لكني أضرب رأسي بوسادتي طمعًا في النوم. أجراسه عندهم بشرى، وعندي إنذار. ماذا يحمل لي؟ لا يهمني إطلاقًا، لا شك أنه كالعام الماضي. 

رنت أجراسه في محيطي، وسمعت ارتطام هديتي بالباب. حاولت أن أغلب نفسي لتنام لكنني فشلت، فقمت وفتحت بابي، ووجدت ورقة على صندوق. 

قالت الورقة "أتمنى أن تكون بأفضل حال يا خالد، أعلم أنك سبق ومررت بظروف صعبة، أتمنى أن أتمكن من التعويض عليك بتلك الهدية التي ستفوق توقعاتك، أتمنى أن تنال إعجابك، وأراك السنة القادمة."

بطانية؟ حقًا؟ أهذا أفضل ما لديك؟ ماذا ستفعل البطانية في بيت خراب ساقطة جدرانه؟ أتظن أنك تساعدني هكذا؟ حتى أنك أخطأت في إسمي، أنا لا أسمى خالد ولا أريد بطانية، أريد بيتي ومن فقدت من أهلي، أريد أبي ويداه، أريد أمي وأحضانها، أريد أختي الصغيرة التي لم أراها، أريد مدرستي ومعلميني، أريد أصدقائي، أريد لعب الكرة في ساحات الشوارع، أريد أكل البوظة من شارعنا. أين بيتي الآن؟ وأين مدرستي وأين شوارعنا؟ خراب.

أريد حلب.

2016-09-18

سيكولوجية بات مان


كان البرنامج الكارتوني (بات مانيأتي في تمام الساعة الخامسة بعد الظهر على قناة سبايستونكنت لا أفوت أيةَ حلقة، كنت منبهرًا بشخصية بات مان الغامضة، وحركاته ونبرة صوتهكنت أحاول تقليده دائمًا، لدرجة شراء زيه والقفز من فوق الدولاب مرتديًا إياه.. ثم فجأةفي إحدى الحلقات، صُدمت حين رأيته يوبخ خادمه (ألفريد). لطالما كان (ألفريدوفيًا لبات مان.. لماذا فعل بات مان شيئًا كهذا؟كرهت بات مان، ولم أعد أرتدي زيه ولا أقفز من فوق الدولاب، وحذفت قناة سبايستون من قنواتي المفضلة.
تجاوزت صدمتي، وتقبلت أن بات مان لن يصيب دائمًا.. لكن لم أستطع تقبل هذا على مقياسٍ أكبر، لم أستطع تجاوز الأمر حين رأيت معلمي يتهاون في شرح الدرس، وبعدها حين أخرج علبة السجائر وبدأ يتغلغل الدخان في رئتيه حتى أخرجه تجاه وجهي، هذه أول مرة أستنشق فيها دخان السجائروحين رأيت إمام مسجدنا سريع الغضب، لم يتحمل سؤاليوحين رأيت محفظ القرآن أول مرة وهو يحمل عصاه لعقابناوحين كنت بالكاد أستطيع القراءة فقرأت خبرًا يقول أن ضابطًا اغتصب فتاةً صغيرةًوحين علمت أن فنانًا أحترمه أصبح سكيرًا، وقتل طفله في حادث سيارةوحين سمعت أن رياضيًا محببًا إلي أشارت تحاليله أنه كان يتعاطى المنشطاتكنت ساذجًا.. لم أعلم وقتها المعنى الحرفي لكلمة (بشر)، لم أتخيل كيف لهؤلاء أن يخطئوا.. لم أدرك المزيج المخيف بين الخير والشر في نفس الإنسان.. لم أعلم حينها كيف أتصرف، هل آخذ منهم الخير والشر معًا؟ هل أكرر أخطائهم؟ أم آخذ الخير فقط؟ حاولت البحث عن نموذج حي كامل، لكني للأسف لم أجده.
كلٌ يؤخذ منه ويرديستحسن ألا تفعل مثلي؛ فتظن أن كل الناس ملائكة، أو أن جميعهم شياطينخذ منهم ما ينفعك بنفع الناس، ورد ما يضرك بضر الناسأعلم أنك مررت بمثل تجربتي مع بات مان، ولازلت أرى أثر الصدمة على وجهكهون على نفسك، فلن يصيب أحدٌ دائمًا، ولن يخطئ دائمًا.
وعلى الجانب الآخر، ما الشيء الذي بمقدورنا فعله؟ كيف يمكننا التقليل من الصدمات التي تصيب الأجيال القادمة؟ وكيف يمكننا وقف السيل المتواصل من هدم كل شيء؟ نحاول فقط التقليل من الصدمات، نحاول الحفاظ على مكانة كل شيء وكل شخصلن يكون سهلًا أن يرى الجيل القادم طريقة عدم” اتباعنا لأي شيء، وعدم حفاظنا على مكانة أو قدسية أي شيء.. هم كالمرآة المكبرة، إن كنا سيئين، فسيصبحون أسوأ، والعكس تمامًا.
ما زرعناه في نفوسهم لن نراه اليوم ولا الغد ولا بعد غد، ولكن بعد عمر مديد، عندما نحتاج لهم ولا يحتاجون إلينا.
 كلٌ يؤخذ منه ويرد.

نشرت في شوارع مصر.